مرة أخرى، تثبت جائزة الكرة الذهبية التي تمنحها مجلة “فرنسا فوتبول” أنها تسير وفقًا لمعايير خاصة يصعب على المحللين الرياضيين فهمها أو تفسيرها. فبعد موسمٍ كان يمكن وصفه دون مبالغة بأنه الأفضل في مسيرة محمد صلاح الاحترافية، يبدو الأمر كما لو أن الجميع كان يعلم مسبقًا أن الجائزة لن تكون من حظ النجم المصري. هذا الإقصاء المتكرر للاعب من الطراز العالمي يدفعنا إلى تناول خبر عدم فوزه بالجائزة ليس كخبر مفاجئ، بل كظاهرة تستحق النقاش والتحليل الجاد حول مدى عدالة هذه الجائزة ومصداقية معاييرها.
قدم محمد صلاح مع نادي ليفربول في موسم 2024-2025 أداءً يتخطى كل مقاييس التميز المعتادة. حيث سجل النجم المصري 47 مشاركة في الأهداف ما بين تسديد وصناعة في 38 مباراة فقط في منافسات الدوري الإنجليزي الممتاز. هذه الأرقام القياسية لم تكن مجرد إحصاءات فردية تثري سجله الشخصي، بل كانت العامل الحاسم والمحرك الرئيسي الذي قاد فريق ليفربول للعودة إلى العرش الإنجليزي والتتويج بلقب البريميرليغ، ليعيد النادي تأكيد تاريخه كأكثر الأندية الإنجليزية حصدًا للألقاب. كان صلاح بمثابة القائد الذي لا يمل، والمهاجم الذي لا يتوقف عن الإبداع، مما جعله بلا أدنى شك أحد أكثر اللاعبين تأثيرًا في العالم خلال ذلك الموسم.

عند وضع أداء محمد صلاح تحت المجهر ومقارنته بأفضل المهاجمين في الدوريات الخمس الكبرى الأوروبية، نجد أن التفوق كان ساحقًا ولا يقبل الجدل. أقرب المنافسين له من حيث التأثير الهجومي كان المهاجم الإنجليزي هاري كين، لاعب بايرن ميونخ، والذي سجل 36 هدفًا في 31 مباراة في الدوري الألماني. وهي أرقام ممتازة بكل تأكيد، لكنها تبقى أقل تأثيرًا بشكل ملحوظ مقارنة بإجمالي مساهمات صلاح التي جمعت بين التهديف المتكرر والقدرة الفذّة على صناعة الفرص لزملائه. الأهم من ذلك، أن هذا الموسم شهد غيابًا تامًا لأي بطولة دولية كبرى مثل كأس الأمم الأوروبية (يورو) أو كوبا أمريكا أو كأس العالم، وهي البطولات التي عادة ما تشكل عاملًا حاسمًا في تحيز أصحاب حق التصويت، لصالح لاعبين قدموا أداءً متميزًا مع منتخباتهم، حتى لو كان أداؤهم مع الأندية أقل بروزًا.
غياب البطولات الدولية كان ينبغي نظريًا أن يجعل المعيار الوحيد والأكثر موضوعية هو الأداء مع الأندية طوال الموسم. وهذا بالضبط ما يجعل استبعاد صلاح من المنافسة الحقيقية على الجائزة قرارًا يفتقر إلى المنطق الرياضي. يبدو أن لجنة التصويت التابعة للمجلة تفضل دائمًا ما يمكن تسميته “بالرواية الإعلامية” أو الشعبية المؤقتة للاعب معين، على حساب التميز الرياضي المستمر والقائم على إحصاءات لا يمكن دحضها. تجاهل أرقام صلاح القياسية، والتي تعتبر من أعلى المعدلات في تاريخ البريميرليغ، يرسل رسالة خطيرة مفادها أن الجدارة والإنجاز الحقيقي على أرض الملعب قد لا يكونان الطريق المضمون للاعتراف العالمي.
في النهاية، يظل محمد صلاح نجمًا عالميًا بمعنى الكلمة، وتثبيته مكانته كأحد أفضل ثلاثة لاعبين في العالم بشكل سنوي هو إنجاز بحد ذاته. خيبة الأمل الحقيقية ليست في عدم حصوله على جائزة فردية، بل في استمرار وجود فجوة بين مستوى التألق الموضوعي القائم على الأرقام، وبين التقدير الرسمي من قبل المؤسسات الكروية التاريخية. الأهم من أي جائزة هو الإرث الذي يبنيه صلاح مع ليفربول ومنتخب مصر، والتاريخ سيتذكر موسمه الاستثنائي بغض النظر عن وجود كرة ذهبية في خزانة trophies أو عدم وجودها. التحدي الآن أمام النجم المصري هو مواصلة كسر الأرقام وإسكات الأصوات بالعمل الدؤوب، لأن الألقاب الجماعية والتفوق الفردي المستمر هما أفضل رد على أي تجاهل.